Breaking

Post Top Ad

Your Ad Spot

الاثنين، 13 نوفمبر 2023

تاريخ الجنون عبر العصور " الجزء الاول"

 الجنون. مس.مرض روحي. مختل عقليا
هل انت مجنون ام تدعي الجنون؟
بقلم: صبرينة مسعودان
في كل مكان وزمان عبر العصور كان ثمة مجانين. وفي كل مكان وزمان كانت هناك استجابة اخلاقية و اجتماعية و جنائية وردة فعل ناحية المجنون. بالرغم من ان الجنون يشكل مفارقة لدى العلماء سواء من الناحية العلمية او السيكولوجية او الاجتماعية او السياسية...
فقد تطور معنى و ماهية الجنون من "مس روحي" في العصر الكلاسيكي الى  العصاب و الذهان. ومن معابد و جلسات دينية إلى المصحات النفسية، ومن العلاج بالأعشاب إلى العلاجات المعرفية السلوكية. 
الا ان الحقيقة تشترك في ان الجنون بدون مكابح، يطلق العنان لأشكال القول، والفعل، خارج نطاق العقل،بينما الرجل العاقل هو الجامع “لأمره ورأيه”، حتى إذ قصر الامر على السلوك، فإن الرأي يختص بالفكر والإبداع. ويترتب عن ذلك الجنون، ما انزاح عن السلوك المعتاد، أو الفكر السائد، أو الإبداع المعقد.
من الملاحظ أن هناك تنوعا في الأبعاد و الدلالات التي يمكن أن يأخذها الجنون عند فلاسفة اليونان القدامى. تارة ينظر إلى الجنون إيجابيا حين˴ يفتح للعلم بشكل خفي تنبؤات، و تارة أخرى ينظر إليه سلبيا عندما ينسب إلى أمراض الروح التي تورط في المغالاة.
ومن وجهة نظر طبية اخرى، فالجنون أنواع، ودرجات، فهو لا يكتسي تصنيفا، أو توصيفا دقيقا إلا في إطار ثقافي معين. إنه "مرض لا معنى له، إلا في سياق ثقافة ما،"فقد يكون الجنون مقدسا. وحسب ابن خلدون، فمن بين السمات المعتمدة لمفهوم الجنون في الخيال الشعبي: “القداسة، والصدقية، والعفوية". فأغلب الحكماء في الثقافة العربية مجانين، أو مجاديب". وقد يكون الجنون حكمة على حد القولة الشهيرة: "خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين".
لربما كانت هذه العبارة تفنيدا للجنون نفسه او بالاحرى عدم التمييز بالجنون بمعناه المرض وبين معناه الاخلاقي و الاجتماعي! انطلاقًا من وجهة النظر هذه، قد يجمع الجنون بين كلا الاتجاهين. وفقًا لفوكو، ربما يكون الجنون إذنْ «واحديًّا»، بيد أننا سبق أن رأينا الجنون في العصور القديمة وهو يختلف تمام الاختلاف عن مثيله في العصور الوسطى.
حسب سقراط فان حالة الجنون تمتد بالضرورة لتشمل الحالات التأملية، والإبداعية، والتعبيرات الفنية. وهكذا، يصير الجنون “ألوانا، وفنونا”، على حد تعبيره: "إذا جاء الجنون كهدية من الرب، فهي أكثر اللحظات قدسية...لأن الجنون مصدر الإلهام والوحي والشعر". كما ذكر ان جميع الفلاسفة والرسامين والشعراء على تماسٍّ مع الآلهة وتصيبهم حالات من الاضطراب النفسي.
 أجرت الطبيبة النفسية  "كاي ريدفيلد جاميسون" دراسة السيرة الذاتية لستة وثلاثين شاعراً من الشعراء البريطانيين والإيرلنديين الذين وُلدوا بين عامي 1705 و1805، نشرته في كتابها "متأثر بالنار: مرض الهوس الاكتئابي والمزاج الفني". وكان معدل حدوث اصطرابات المزاج والانتحار ودخول المصحات لدى شعراء هذه المجموعة وأسرهم مرتفع ارتفاعاً مدهشاً"
  اتفق جل الاطباء النفسيين على حالة العبقرية الممتزجة بالاضطرابات النفسية لدى المبدعين. وبالتالي من الثابت أنّ هناك علاقة بين العبقرية والجنون، لكنْ ليس كل مجنون عبقرياً، وليس كل عبقري مجنوناً، كما أنه ليس كل ذكي مبدعاً وعبقرياً. 
القاسم المشترك بين الإبداع والعبقرية، يتجلى في الخروج عن المألوف، والتفكير خارج المنطق التقليدي، والوصول إلى أفكار وتصوّرات وفرضيات جديدة. وبالتالي فإن الذكاء لا يعيق الإبداع، ولكنه ليس ضمانة للإبداع أيضاً. بمعنى ليس كل من كان ذكياً، يمكن أن يكون مبدعاً!

لطالما تم التعامل مع المجنون على اساس المريض النفسي الذي ذهب عقله و غاب وعيه وشلت احاسيه. طبعا هذا حسب الدراسات التي صاحبت جل المجانين في عصر النهضة. لان لو قورن هؤلاء بمجانين العصر الكلاسيكي لتم التعرف على ان اغلب الحالات المنتسبة وقتها كانت ملفقة... اغلبها من ارستقراط القبائل و العشائر بمجرد اختلاف راي او زواج باطل. 
هكذا كان اصحاب الطبقة البرجوازية يتخلصون من افراد اسرتهم من اجل موروثات العائلة و حتى السياسيين المعارضين الذين تخالفت وجهات رايهم يجدون في الاتهام بالجنون ملجاهم و ملفقهم الوحيد للسيطرة.
على غير العادة عند التطرق لموضوع الجنون. ياتي في مخيلتي كمية التعذيب و القتل القسري و الاغتصاب اللامتناهي الذي تعرض له اغلب المرضى المجانين خلال العصور... رقم هائل و حالات لا يكاد يصدقها العقل البشري. الا ان الموضوع مثير جدا و يستحق المناقشة لربما كتبت عنه بشكل مفصل في مقال اخر.
بالعودة للموضوع الرئيسي هناك العديد من الاسئلة التي يجب طرحها. ما معنى أن يكون المرء مجنونا؟ من يقرر الأمر؟ إلى أي عهد يعود ذلك؟ هذه الأسئلة الثقيلة أجاب عليها الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في عمله الضخم: "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"، والصادر بترجمة متميزة للناقد والمترجم المتميز سعيد بنكراد من المركز الثقافي العربي.

بدءًا من مقدمة كتاب «الجنون والخلل العقلي»، يُصدَم القارئ بمدى صعوبة فهم ما يقصده المؤلِّف. حيث يفاجئنا دومًا على نحو غير متوقع بأسلوبه الشائق والرائع، وفكره الذي لا يقل عنه روعةً، وجدليته المُقنِعة، حسبنا فقط أن ندعي قراءة هذا العمل من منظور النقد التاريخي. يطرح فوكو بعض البديهيات، التي ما إن نسلم بها، حتى تقودنا طيلة قراءة ذلك الكتاب، كما لو كنا تقريبًا بصدد قبول قواعد لعبة سباق. بيد أن النرد مغشوش.
 منذ السطور الأولى. ماذا يعني فعليًّا ذلك القول المقتبس عن باسكال: «إن الرجال بالضرورة مجانين لدرجة أن عدم الجنون سيكون ضربًا آخر من ضروب الجنون»؟ وما المقصود بذلك القول الذي تلا الاقتباس السابق مباشرة، والذي جاء على لسان دوستويفسكي حين قال: «إن حبس جارك ليس هو السبيل لتتيقن من رجاحة عقلك»؟
ولكن هنا ليست المشكلة بينما تكمن في ذاك الغير المجنون الذي هو مجنةن اخر باستخدامه للغة تخلو من الرحمة و سلوكا يخلو من الشفقة و الاستحسان.
هل من المعقول ان يكون المجنون مجنونا و الغير مجنون مجنونا ه الاخر فقط لانه قيد عقله و احاسيسه و اقتصر على محدودية تفكيره ام هو مجنونا لعدم مراعاته للمجنون نفسه!
ربما هي نظرية مؤامرة للتشكيك بعقلانية الانسان وضرب المنطق عرض الحائط !.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot